بسم الله الرحمن الرحيم
من سلسلة الرد على شبه
العاذرين للمشركين [6]
احتج العاذرون المعارضون بحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
أَوْفَى قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ , سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : مَا هَذَا يَا مُعَاذُ ؟ قَالَ : أَتَيْتُ
الشَّامَ , فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ ،
فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : [ فَلاَ
تَفْعَلُوا ، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللهِ ،
لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ ، لاَ تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّرَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ
زَوْجِهَا ، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ] .
قالوا فالنبي –صلى الله عليه وسلم- لم يُكّفر معاذاً لجهله بأن
السجود لغير شرك !
فقالوا لا بد قبل الحكم على المعين بالشرك أو الكفر من بلوغ الحجة
ورفع الجهل:
وإن كان يستغيث بغير الله
ويذبح لغيره
وينذر لغيره
وإن كان يشرك بالله في الربوبية.
فهو معذرور لا يُحكم بكفره حتى يأتيه الرسول ويُبلِّغه ويرفع
الجهل عنه
الجواب عن هذه الشبهة من وجوه.
الوجه الأول: أن الحديث لا يثبت قد أعلّه أبو حاتم بالاضطراب،
انظر “العلل” لابنه ( 2/253) وكذلك أعلّه الدار قطني في “علله” ( 6/37-38) .
فمثل هذا الاسناد لا يُستدل فيه على حكم شرعي فكيف بالعقيدة ! فكيف
إذا كان فيه غرابة في المتن وهو جهل عالم -بزعمهم- من علماء الصحابة بحكم واضح
كحكم السجود لغير الله !
تنبيه.
حديث
(لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد...) حديث صحيح إن
شاء الله ولكن قصة السجود هي المنكرة.
و يوجد للحديث علل أُخرى ليس هنا محل بسطها فلتراجع في مظانها.
الوجه الثاني: لو تنزّلنا وقلنا بثبوت الحديث فإنه لا حجة لأحد في
هذا الحديث لأن معاذاً –رضي الله عنه- إنما سجد تحيةً لا عبادةً للنبي –صلى الله
عليه سلم-
ومن نسب إلى معاذ غير هذا فقد أساء الظن فيه أيما إساءة.
ولم يعرف قدره –رضي الله عنه- وهو الذي قال عنه رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
[ خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ
مَسْعُوْدٍ،وَأُبِيٍّ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِيحُذَيْفَةَ ]
[ نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ
الرَّجُلُ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ ]
[ يَا مُعَاذُ! إِنِّي لأُحِبُّكَ فِي اللهِ ]
و قَالَ الشَّعْبِيِّ،: قال عَبْدُ اللهِ بن مسعود : [ إِنَّ
مُعَاذاً كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلِّهِ حَنِيْفاً ] .
وَرَوَى: مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ
أَبِيْهِ،قَالَ:خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ:
[ مَنْ أَرَادَ الفِقْهَ، فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ ]
وقال شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، :
[ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِذَا تَحَدَّثُوا وَفِيْهِم مُعَاذٌ، نَظَرُوا إِلَيْهِ هَيْبَةً لَهُ]
فهل هذا البر النقي التقي يسجد لغير الله عبادةً ؟!
{ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ }
{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
}
الوجه الثالث: أن السجود على وجه التحية كان مشروعاً في الشرائع السابقة
حتى نُسخ في شريعتنا
كما قال تعالى عن نبي الله يوسف عليه السلام { ورَفَعَ أَبَوَيْهِ
عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا }
١- قال ابن كثير في تفسيره عن هذا : كان هذا مشروعًا في الأمم
الماضية ولكنَّه نسخ في مِلتنَا، قال معاذ .. ا.هــ
ثمّ ذكر الحديث
٢- " لو كان السجود للعبادة لما قال له النبيُّ صَلَّى اللهُ
عليه وآله وسَلَّم:
[ لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللهِ،
لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ]
وحاشا رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أن يأمر بالمعصية
بل بالسجود لغير الله تعالى
قال الله عزَّ وجلَّ {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ
الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ
إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} ".
الخلاصة:
١-الحديث غير صحيح ولا تقوم به الحجة
٢-في بعض طرق الحديث أن معاذاً لم يسجد أصلاً
٣- لو ثبت الحديث فإن سجود التحية لا العبادة ليس بشرك أو كفر أكبر
حتى يُقال أنه وقع في الكفر الاكبر-رضي الله عنه- ولكن عُذر لأنه لا يعرف الحكم !
٤-سجود التحية كان مشروعاً في الأمم السابقة
٥-الذين يستدلون بهذا الحديث لم يعرفوا قدر الصحابة بل لم يعرفوا
قدر علماء الصحابة ! فمعاذ رضي الله عنه جبل من جبال الصحابة في العلم وحاشاه أن
يجهل حكماً كهذا الحكم !
فلا حجة للعاذرين البتة بهذا الحديث.
والله أعلم.
مستفاد من بعض البحوث.
وصلى الله على نبينا محمد.