بسم الله الرحمن الرحيم
من سلسلة الرد على شبه العاذرين للمشركين [3]
احتجوا بقول الله تعالى { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ
السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
قال قائلهم : لقد شكوا في قدرة الله فَمَـا قَال لهم عيسى
إِنَّكُمْ قَدْ كَفَرْتُمْ !
ولكن قال { اتَّقُوا الله إِنْ كُنْتُم مُؤْمِنِيْن }
فقالوا لا بد قبل الحكم على المعين بالشرك أو الكفر من بلوغ الحجة
ورفع الجهل عنه:
وإن كان يستغيث بغير الله
ويذبح لغيره
وينذر لغيره
وإن كان يشرك بالله في الربوبية.
فهو معذرور لا يُحكم بكفره حتى يأتيه الرسول ويُبلِّغه
ويرتفع الجهل عنه
الجواب عن هذه الشبهة من
وجوه
الوجه الأول: أن هذه الآية قد فسرها السلف الصالح بأحد هذه الوجوه ولم
يقل منهم أحد أن الحواريين شكوا في قدرة الله !
1- قد أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامرالشّعبِيّ أَن عليا –رضي الله
عنه-كَانَ يَقْرَأها
{هَل يَسْتَطِيع رَبك}
قَالَ : [ هَلْ يُعطيكَ رَبُكَ]
2- وَأخرج ابْن جرير بسند جيد عَن السّديّ فِي قَوْله {هَل
يَسْتَطِيع رَبك} قَالَ:
[ قَالُوا: هَل يطيعكَ رَبكَ إِنْ سَأَلتهُ ؟
فَأنْزلَ اللهُ عَلَيْهِم مائدةً مِنَ السَّمَاء فِيهَا جَمِيع
الطَّعَام إِلَّا اللَّحْم فَأَكَلُوا مِنْهَا ]
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم بسند حسن عَن عَائِشَة رَضِي
الله عَنْهَا قَالَت:
[ كَانَ الحواريون أعلم بِاللَّه من أَن يَقُولُوا هَل يَسْتَطِيع
رَبك إِنَّمَا قَالُوا:
(هَل تَسْتَطِيع أَنْت رَبك هَل تَسْتَطِيع أَنتَدعُوهُ) ]
-وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير عَن سعيد بنجُبَير أَنه قَرَأَهَا
(هَل تَسْتَطِيع رَبك) قَالَ :
[ هَل تَسْتَطِيع أَن تسْأَل رَبك ]
وقد قال ذلك " جماعة من الصحابة والتابعين:
(هَلْ تَسْتَطِيعُ) بالتاء (رَبَّكَ) بالنصب، بمعنى:
هل تستطيع أن تسأل ربك؟
أو: هل تستطيع أن تدعوَ ربَّك؟
وقالوا: لم يكن الحواريون شاكِّين أن الله تعالى ذكره قادرٌ أن
ينزل عليهم ذلك "
قال ابن الأنباري: ولا يجوز لأحدٍ أن يتوهم أن الحواريين شكُّوا في
قدرة الله وإِنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي وهو يعلم
أنه مستطيع، ولكنّه يريد: هل يسهل عليك.
الوجه الثالث: لو سُلِّم بذلك فإنّ الشك في قدرة خاصة ليس في الوضوح
كبطلان وقبح وذم عبادة غير الله تعالى
-قال ابن تيمية : والمرتد من أشرك بالله تعالى أو كان مبغضا للرسول
صلى الله عليه وسلم ولما جاء به أو ترك إنكار منكر بقلبه أو توهم أن أحدا من
الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو جاز ذلك أو أنكر مجمعا عليه
إجماعاً قطعياً أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ومن شك
في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد
ولهذا لم يكفر النبي صلى الله عليه و سلم الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه
لا يكون إلا بعد الرسالة ... ا.هــ
فانظر كيف فصّل في حكم الشاك في بعض الصفات وعذره بالجهل
ولم يفصل في حكم من أشرك وجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم
فتأمله
ولعبدالعزيز بن باز فتوى تُخرس القوم لما سُئل : هل العذر بالجهل
مسألة خلافية ؟
فقال ابن باز : ليست خلافية إلا في الدقائق التي قد تخفى من كمال
القدرة .. ا.هـ
الخلاصة:
١-أن الحواريين لم يشّكوا في قدرة الله إنما طلبوا من عيسى عليه
السلام أن يدعو ربه أن يُنزل مائدة من السماء.
٢-لم يقل أحد من الصحابة أو التابعين أنهم شكوا في قدرة الله.
٣-لو تنزّلنا وقلنا أنهم شكوا في قدرة الله-وحاشاهم- فإن الشك في
نوع من أنواع القدرة التي تحتاج إلى دليل سمعي لا يُكفر صاحب هذا القول حتى
يُعلّم.
٤-أن من قال أن الحواريين قالوا كلمة الكفر ولم يُكفَّروا لجهلهم !
فقد أساء الظن فيهم !
فهم من قالوا { نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَاشْهَدْ بِأَنَّامُسْلِمُونَ }
وهم [ أَصْفِيَاءُ الأَنْبِيَاءُ ]
كما قال الضحاك بن مخلد !
فهم أعلم به سبحانه من أن يشكوا في قدرته تعالى !
فلا حجة للعاذرين البتة بهذه الآية.
والله أعلم
( مستفاد من بعض البحوث )
وصلى الله على نبينا محمد