بسم الله الرحمن الرحيم
من سلسلة الرد على شبه
العاذرين للمشركين [2]
احتجوا بقول الله تعالى { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ منْ بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ
مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }
وقالوا فلا بد من تحقق هذا القيد وهو البيان المذكور في قوله تعالى
{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى}
▪ فقالوا لا بد قبل الحكم على المعين بالشرك أو الكفر من بيان الهدى
له وبلوغ الحجة:
وإن كان يستغيث بغير الله!
ويذبح لغيره !
وينذر لغيره !
وإن كان يشرك بالله في الربوبية!
فهو معذرور لا يُحكم بكفره حتى يأتيه الرسول ويُبلِّغه
ويتبين له الهدى
الجواب عن هذه الشبهة من
وجوه
الوجه الأول: أن هذا القيد مشروط لتحقق العذاب الأخروي كما قال تعالى
{ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ } ونحن مبحثنا في الحكم الدنيوي.
فانقطع احتجاجهم !
الوجه الثاني: أن البيان في مسألة الشرك وعبادة غير الله قد تحقق أيّما
تحقق:
١- بالعهد الذي أُخذ منا وهو الميثاق
٢- وبما غُرز في العقول
٣- وبما وجد في الفطر
٤- وبالآيات المصرفة في النفس
٥- وبالآيات المصرفة في الكون
فأيُّ هدىً يتبيّن بعد ذلك إن لم يُبيّنه كل ذلك !
ولعمري للتوحيد أوضح من الشمس وهي في كبد السماء فهل يقول قائل أن
ضوء الشمس وهي في كبد السماء يحتاج إلى دليل حتى يستبين ويظهر !
الوجه الثالث: أن قوله تعالى { مِنْ بَعْدِ مَاتَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
}
ليس قيداً ! وإنما هو صفة كاشفة !
فكل من شاق الرسول – صلى الله عليه وسلم- أو اتبع غير سبيل
المؤمنين فقد تبين له الهدى فخالفه
" لأن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله وتبين للناس
فعلى الناس الاتباع "
١- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :
[ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا،
لاَيَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ ]
٢- أنه قد رُوي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس -رضي الله
عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ مهما أوتيتمْ مِنْ كتابِ اللهِ
فالعملُ بهِ، لا عذرَ لأحدٍ في تركهِ ]
٣- وأخرج ابن جرير بسنده عن ابن عباس –رضي الله عنهما- :
[ تفسيرُ القرآنِ عَلَى أربعةِ وجوهٍ، تفسيرٌ يعلمهُ العلماءُ
وتفسيرٌ لا يعذرُ النّاس بجهالتهِ .. ]
٤- وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال [إنّ
للقرآنِ مناراً كمنارِالطريقِ .. ]
وقال اللالكائيّ في شرح أصول الاعتقاد عن طريقة أهل الحديث:
ولم يزل من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا قوم
يحفظون هذهالطريقة ويتدينون بها، وإنما هلك من حاد عن هذه الطريقة لجهله طرق
الاتباع. اهــ
فالجهل المزعوم الموقع لمشاقة الرسول –صلى الله عليه- أو
مخالفة سبيل المؤمنين
لا عذر لصاحبه فيه وإن زعم الجهل [لأن الأمور قدْ بُيِّنت
وثبتت الحجةُ وانقطعَ العذرُ] كما قال عمر رضي الله عنه
ومعنى أنها صفة كاشفة وليست قيداً
يعني أن قوله تعالى { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَى}
مثل قوله تعالى :
١-{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }
٢- ومثل قوله تعالى { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ }
٣- وقوله { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ
تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا }
٤-وقوله { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ }
الخلاصة:
١- أن الآية تتكلم عن العذاب الآخروي لا عن الحكم عليه في الدنيا
بإسلام أو كفر.
٢- أن التوحيد متبين وظاهر ظهوراً جلياً قبل إرسال الرسل وإنزال
الكتب فالحجة في التوحيد مقامة علينا قبل مجيء الرسل ونزول الكتب ومن قال أن
التوحيد ليس بظاهر فهو لإن يُعالج عقله خير له من أن يتكلم في دين الله بجهل.
٣- أن قوله تعالى { من بعد ما تبين له الهدى} ليس قيداً بل هو صفة
كاشفة.
وقد صح في الحديث أن الجنة لا يدخلها إلّا نفس مؤمنة فلا يدخل
الكافر ولا المشرك الجنة إلّا عند دين المرجئة .
فلا حجة للعاذرين البتة بهذه الآية
والله أعلم.
( مستفاد من بعض البحوث ).
وصلى الله على نبينا
محمد.