الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ثم أما بعد...
فالحد لله قد أثبته الأئمة
وأجمع السلف عليه ، وأصل معناه هو ما قاله إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني (( أن
حد كل شيء موضع بينونته عن غيره ))
وهو في هذا الباب مبين لحقيقة قول
السلف أن الله [ عال على
عرشه
بائن من خلقه ]
ووجه إثبات الأئمة لذلك أنه "
لما كان الجهمية يقولون ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي
تميز بها ويجحدون قدره
حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي
عالم قدير قد عرفنا حقيقته وماهيته ويقولون إنه لا يباين غيره
بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم
فيقولوا لا داخل العالم ولا خارجه ولا
كذا ولا كذا
أو يجعلوه حالا في المخلوقات
أو وجود المخلوقات
فبين ابن المبارك أن الرب سبحانه وتعالى
على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه وذكر الحد لأن الجهمية كانوا يقولون ليس له حد
وما لا حد له لا يباين المخلوقات
ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم
للحد
فلما سألوا أمير المؤمنين عبد الله
بن المبارك بماذا نعرفه
قال بأنه [ فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ]
فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية
وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو موجود
فوق العرش ومباينته للمخلوقات فقالوا له بحد قال بحد
وهذا يفهمه كل من عرف ما بين قول المؤمنين
أهل السنة والجماعة
وبين الجهمية الملاحدة من الفرق "
فمراد الجهمية من نفي الحد هو نفي حقيقة
العلو لله تبارك وتعالى
ولأجل هذا قال الامام الدارمي –رحمه
الله- عن نفي الحد : وَهَذَا
هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بنى عَلَيْهِ جهم ضَلَالَاتِهِ وَاشْتَقَّ مِنْهَا أُغْلُوطَاتِهِ،
وَهِيَ كَلِمَةٌ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ سَبَقَ جَهْمًا إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ . ا.هــ المراد
قال الأثرم : قلت لأحمد: يحكى عن ابن
المبارك : « نعرف ربنا في السماء السابعة
على عرشه بِحَدٍّ » فقال أحمد « هكذا هو
عندنا»
وقال عثمان بن سعيد الدارمي-رحمه
الله-: «زعمت الجهميةُ أنْ ليس لله حدٌّ،
وإنما يَعنُونَ بهذه الكلمة أن الله تعالى لا شيء، إذ كان معلوماً عند الخلق كلهم أنه
ليس شيء يقع عليه اسم الشيء إلا وله حدٌّ وصفة، فقولهم: لا حدَّ له أنَّهُ لا شيءَ،
وقد قال الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}
قال: ومذهب علماء السلفِ: أن الله هو الأولُ القديم، وله حدٌّ لا يعلمه غيرُهُ، ولكن
ليس لأحد أن يتوهم لحده
غايةٌ في نفسه، ولكن عليهم أن يؤمنوا بذلك، ويَكِلُوا عِلْمَ ذلك إلى الله تعالى.
وقال أبو القاسم عبدُالرحمن بنُ الحافظِ
أبي عبدِالله بنِ مندهْ أنه : لا دين لمن
لا يرى لله الحدَّ .
وقال الخلال: أخبرنا الحسن بن صالح
العطار ثنا هارون بن يعقوب الهاشمي قال: سمعت أبي يقول عند أبي عبدالله، فسألناه عن قول ابن المبارك:
«على العرش استوى بحدٍّ» قال-يعني: أحمد بن حنبل-: «لهذا شواهد من القران في خمس مواضع: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ} ، {أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ} ، و {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
إِلَيْهِ} .
"وقال الإمام أحمدُ {هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}
{وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً
صَفّاً}
يعني أن هذه الآيات تدل على أن الله
عز وجل استوى على عرشه بحدٍّ، وهو سبحانه وتعالى يعلم بِحَدِّهِ، فمن
زعم أن الله على العرش استوى على خلاف ما تقرَّرَ في قلوب العامَّةِ فقد كفر وارتد
عن دين الإسلام . "
فلا ينكر حقيقة الحد الذي أثبته
أهل السنة إلا مبتدع بل كافر
قال حرب الكرماني –رحمه الله- في
السنة : هذا مذهب أئمة العلم .. فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب .. فهو مبتدع خارج من الجماعة .. فكان من قولهم .. والله تبارك وتعالى
على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه
مكان، ولله عرش، وللعرش حملة يحملونه، وله حدٌّ الله أعلم بحده . ا.هــ المراد
وقال الدارمي –رحمه الله- في النقض
: مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ حَدٌّ فَقَدْ رَدَّ
الْقُرْآنَ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَدَّ مَكَانَهُ فِي مَوَاضِعَ
كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}
{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}
{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}
{إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} فَهَذَا
كُلُّهُ وَمَا أَشْبَهَهُ شَوَاهِدُ وَدَلَائِل على الْحَد.
وَمَنْ لَا يَعْتَرِفُ
بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِتَنْزِيلِ اللَّهِ وَجَحَدَ آيَاتِ اللَّهِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ"، وَقَالَ لِلْأَمَةِ السَّوْدَاءِ: "أَيْنَ
اللَّهُ؟ قَالَتْ: "فِي السَّمَاءِ فَقَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ"
.
فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ" دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهَا لَوْ لَمْ تُؤْمِنْ بِأَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ لم تكن مُؤمنَة، وَأَنه
لايجوز فِي الرَّقَبَة إِلَّا مَنْ يُحِدُّ اللَّهَ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ، كَمَا
قَالَ اللَّهُ وَرَسُوله. ا.هــ المراد
وهكذا الأئمة كانوا ينكرون أشد
النكير على من نفى الحد
حتى ذكر الهروي في ذم الكلام أنه
سأل : يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان البستي؛ فقال له : رأيته ؟ قال [ كيف لم أره ونحن
أخرجناه من سجستان؟!
كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر
الحد لله؛ فأخرجناه من سجستان ]