قال ابن حبان البستي في صحيحه ( وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا يَتَكَلَّمُ
كَمَا شَاءَ بِلَا آلَةٍ، كَذَلِكَ يَنْزِلُ بِلَا آلَةٍ، وَلَا تَحَرُّكٍ،
وَلَا انْتِقَالٍ مِنْ مَكَانٍ
إِلَى مَكَانٍ )
وقوله بعد الحديث الإلهي : مرضت
فلم تعدني ( ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى
أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أُطْلِقَتْ بِأَلْفَاظِ التَّمْثِيلِ
وَالتَّشْبِيهِ عَلَى حَسَبِ
مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، دُونَ الْحُكْمِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا )
وقوله ( قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: » خَلَقَ اللَّهُ
آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ «: إِبَانَةُ فَضْلِ آدَمَ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى
آدَمَ )
وهذا هو قول الجهمية كما قال الإمام أحمد وغيره من أهل العلم.
وقوله عند الحديث الإلهي : إِنْ تَقَرَّبَ
مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ( اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْلَى
مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ، إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ خَرَجَتْ
مِنْ أَلْفَاظِ التَّعَارُفِ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ مِمَّا بَيْنَهُمْ
..
وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَى الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا بِقَدْرِ
شِبْرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ، كَانَ وُجُودُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ مِنَ الرَّبِّ مِنْهُ
لَهُ أَقْرَبَ بِذِرَاعٍ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَى مَوْلَاهُ جَلَّ وَعَلَا بِقَدْرِ
ذِرَاعٍ مِنَ الطَّاعَاتِ كَانَتِ الْمَغْفِرَةُ مِنْهُ لَهُ أَقْرَبَ بِبَاعٍ، وَمَنْ
أَتَى فِي أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ بِالسُّرْعَةِ كَالْمَشْيِ، أَتَتْهُ أَنْوَاعُ الْوَسَائِلِ
وَوُجُودُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِالسُّرْعَةِ كَالْهَرْوَلَةِ،
وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. )
وقوله ( قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا كَأَنَّمَا
يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ» يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ أُطْلِقَتْ بِأَلْفَاظِ التَّمْثِيلِ دُونَ وُجُودِ حَقَائِقِهَا، أَوِ الْوُقُوفِ عَلَى كَيْفِيَّتِهَا،
إِذْ لَمْ يَتَهَيَّأْ مَعْرِفَةُ الْمُخَاطَبِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بِالْأَلْفَاظِ
الَّتِي أُطْلِقَتْ بِهَا )
وقوله عن حديث أبي هريرة الآنف الذكر ( أَرَادَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِهِ أُصْبُعَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ
تَعْرِيفَ النَّاسِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا لَا يَسْمَعُ بِالْأُذُنِ الَّتِي لَهَا سِمَاخٌ وَالْتِوَاءٌ، وَلَا يُبْصِرُ بِالْعَيْنِ
الَّتِي لَهَا أَشْفَارٌ وَحَدَقٌ وَبَيَاضٌ، جَلَّ
رَبُّنَا وَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُشَبَّهَ بِخَلْقِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ،
بَلْ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ بِلَا آلَةٍ كَيْفَ يَشَاء )
وقوله عند حديث يضع الرب جل وعلا قدمه في النار ( هَذَا
الْخَبَرُ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي أُطْلِقَتْ بِتَمْثِيلِ الْمُجَاوَرَةِ، وَذَلِكَ
أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الْأُمَمِ وَالْأَمْكِنَةِ الَّتِي
عُصِيَ اللَّهُ عَلَيْهَا، فَلَا تَزَالُ تَسْتَزِيدُ حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ جَلَّ
وَعَلَا مَوْضِعًا مِنَ الْكُفَّارِ وَالْأَمْكِنَةِ فِي النَّارِ، فَتَمْتَلِئُ فَتَقُولُ:
قَطْ قَطْ، تُرِيدُ: حَسْبِي حَسْبِي، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ فِي لُغَتِهَا اسْمَ
الْقَدَمِ عَلَى الْمَوْضِعِ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: {لَهُمْ قَدَمُ صِدْقٍ
عِنْدَ رَبِّهِمْ} ، يُرِيدُ: مَوْضِعَ صِدْقٍ، لَا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ
وَعَلَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي النَّارِ، جَلَّ رَبُّنَا وَتَعَالَى عَنْ مِثْلِ هَذَا
وَأَشْبَاهِهِ )
بل وقد نطق البستي بكلمة الكفر !
الذي جعل بعض علماء عصره يكفرونه
ويحكمون بزندقته
كما قال أبو إسماعيل الأنصاري في
ذم الكلام : سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد بن صالح يقول: سمعت أبي يقول [ أنكروا على ابن حبان قوله (النبوة العلم والعمل) فحكموا عليه
بالزندقة، وهجر، وكتب فيه إلى الخليفة؛ فكتب بقتله ]
وهذه الكلمة كان يقولها الفلاسفة
الزنادقة ويريدون بها أن النبوة مكتسبة ينْتجُهَا العِلْمُ وَالعملُ، وهَذَا كفرٌ
بين .
بل النبوة اصطفاء كما قال تعالى { اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ
} " والله أعلم حيث يجعل رسالته؛
فالنبي يختص بصفات ميزه الله بها على غيره، وفي عقله ودينه، واستعد بها لأن يخصه الله
بفضله ورحمته".
فإن قيل أن مراد البستي من هذه
الكلمة معنى آخر لا ما قصده الفلاسفة من إطلاقها
فيقال إن السلف رحمهم الله كانوا
إذا رأوا " من يتكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة "
وقالوا [ إنما رد بدعة ببدعة ] فعلى كلا الأمرين لا يخلو المقام من وقوع في الابتداع
.
منقول
منقول