الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ثم أما بعد...
الأشعري لم يكن على منهج السلف كما يزعمه بعض المتسننة حيث ظن أن الأشعري
مر بثلاث مراحل في حياته :
ألا وهي الاعتزال
ثم الميل إلى مذهب ابن كلاب
ثم الرجوع إلى مذهب السلف !
وهذا ظن خاطئ تنفيه مصنفاته الأخيرة
وينفيه المحققون بمعرفة حاله
أما أقوال الأشعري في إثبات في العقيدة المخالفة لما عليه أهل الحديث
فعديدة منها :
ما كتبه في رسالته إلى أهل الثغر حيث يقول فيها : أجمعوا
على إثبات حياة الله عز وجل لم يزل بها حيا وعلما لم يزل به عالما وقدرة لم يزل بها
قادرا وكلاما لم يزل به متكلما .. وعلى أن شيئا من هذه الصفات لا يصح أن يكون
محدثا .. وجب أن يكون لم يزل بصفة الكمال إذ كان لا يجوز عليه الانتقال من حال إلى
حال .
وهذا التقرير حقيقته نفي لصفات الله المتعلقة بالمشيئة والإرادة كالضحك
والفرح ونحو ذلك
وقال فيها أيضاً : ولا يجب أن تكون أعراضاً؛ لأنه عز وجل ليس بجسم، وإنما توجد الأعراض في الأجسام ...كما لا يجب أن تكون نفس
الباري عز وجل جسماً أو جوهراً، أو محدوداً أو في مكان دون مكان أو في غير ذلك ...
نفي الجسم عن الله بدعة –وكذلك
إثباته- مخالف لما كان عليه السلف من عدم إطلاق القول بنفي أو إثبات الألفاظ
المجلمة التي تحتمل حقاً وباطلاً .
وقال أيضاً : وأجمعوا أنه عز وجل يجيء يوم القيامة
... وليس مجيئه حركة ولا زوالاً، وإنما يكون المجيء جسماً أو جوهراً، فإذن ثبت أنه
عز وحل ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه نقلة أو حركة، ألا ترى أنهم لا يريدون
بقولهم: جاءت زيداً الحمى أنها تنقلت إليه، أو تحركت من مكان كانت فيه، إذ لم تكن جسماً
ولا جوهراً، وإنما مجيئها إليه وجودها به .
ا.هــ
وهذا تعطيل واضح لحقيقة الصفة وهو مؤكد لكونه ينفي صفات
الله الفعلية ، وهذا الإجماع هو إجماع الجهمية ذكورهم وإناثهم لا إجماع أهل السنة
فليعلم ذلك .
وقال أيضاً : وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كما
روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس نزوله نقله، لأنه ليس بجسم ولا جوهر، وقد نزل الوحي على النبي - صلى
الله عليه وسلم - من عند خالقنا .
ونفي الجسم والجوهر ونحوه من بدع المتجهمة المعلومة
وقال أيضاً : وأجمعوا على أنه عز وجل يرضى عن الطائعين
له، وأن رضاه عنهم إرادته لنعيمهم ، وأنه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم، وأن
غضبه إرادته
لعذابهم، وأنه لا يقوم لغضبه شيء
وقال : وأجمعوا على أن النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم دعا جميع الخلق إلى معرفة الله وإلى نبوته، ونهاهم عن
الجهل بالله عز وجل وعن تكذيبه .
النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى الإيمان ، إلى عبادة الله وحده
وحذرهم من الكفران ، وأما جعل دعوة النبي-صلى الله عليه وسلم- للناس متعلقة بمعرفة
الله وعدم الجهل !
فهذا لائق بمن يعرف الإيمان بالمعرفة ! والكفر بالجهل !
وقال : لا يلزم الخروج عليهم بالسيف
جار أو عدل .
بل الخروج لا يجوز
بالإجماع والتعبير بعدم اللزوم لا يفيد التحريم
وقال : وأن له يدين مبسوطتين ، وأن
الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من
غير أن يكونا جوارحا وأن يديه غير نعمتيه .
وقال : لأنه
عز وجل ملِك لجميع ذلك فيهم ، غير محتاج في فعله إلى تمليك غيره له ذلك حتى يكون
جائراً فيه قبل تملكه ، بل هو تعالى في فعل جميع ذلك عادل له وله مالك يفعل ما يشاء
هذا الكلام مبني على قول
الجهمية الجبرية أن الظلم هو التصرف في ملك الغير
وأما المالك لكل شيء
فالظلم مستحيل منه فلو عذب الطائعين أو نعم المجرمين كان ذلك عدلاً منه وحسناً !!
ويؤكد هذا قوله : وأجمعوا على أن القبيح
من أفعال خلقه ما نهاهم عنه وزجرهم عن فعله ، وأن الحسن ما
أمرهم به وندبهم إلى فعله وأباحه لهم .
وقال أيضاً في الإبانة وهي من أواخر ما كتب : فلما كان الله عز وجل لم يزل عالماً، إذ لم يجز أن يكون لم يزل بخلاف العلم موصوفاً، استحال أن يكون لم يزل بخلاف
الكلام موصوفاً، لأن خلاف الكلام الذي لا يكون معه كلام سكوت أو
آفة، كما أن خلاف العلم الذي لا يكون معه علم، جهل، أو شك أو آفة، ويستحيل أن يوصف
ربنا عز وجل بخلاف العلم، ولذلك يستحيل أن يوصف بخلاف الكلام من السكوت والآفات، فوجب لذلك أن يكون لم يزل متكلماً، كما وجب أن
يكون لم يزل عالماً .
وهذا دليل واضح أن الأشعري حتى في الإبانة لم يزل على
طريقة ابن كلاب فإن قوله (ولذلك يستحيل
أن يوصف بخلاف الكلام من السكوت) وجعله لكلام
الله أزلياً كما أن علم الله أزلي
يدل على تقرير ما يسميه هؤلاء بالكلام النفسي
ومما يؤكد هذا كلامه في تأويل قوله تعالى{ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ
اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ }
وتفسيره له بأنه ( ليس هو القرآن
بل هو كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووعظه إياهم...)
والذي دعاه إلى هذا أصله-وأصحابه الكلابية- في نفي
الصفات الفعلية بزعم أنها حوادث وما جاز أن يقوم به الحوادث فهو حادث !
أما أهل السنة فإنهم يقولون كلام الله قديم النوع حادث
الآحاد ، والحدوث لا يقتضي كون آحاد الكلام مخلوقة بل الحدوث هنا بمعنى التجدد ،
وهذا مما لا يسلم به هؤلاء لتجهمهم .
وقال في الابانة أيضاً : ليست له صورة تقال ولا حد يضرب به المثال ..
وقال : استواءا منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ..
وهذا النفي لا يسير على سنن السلف
وقال : نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء
يليق به من غير طول استقرار
وقال : وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن
يفعله ..
وهذا القول ليس من قول السلف الكرام.
وكذلك لم يزل الأشعري على الكلام ولم يتب من ذلك
كما قال ابن
عبدالهادي : قَدْ أَجْمَعَ غَالِبُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَبَا
الْحَسَنِ الأَشْعَرِيَّ كَانَ أَوَّلا عَلَى الاعْتِزَالِ مِنْ أَصْحَابِهِ
وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَتْبَاعُهُ وَأَحْبَابُهُ، وَأَمَّا الْكَلامُ
وَعِلْمُهُ فَلا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ .. ا.هــ المراد
وإليك كلام أهل الخبرة به المطلعين
على حال ومذهب الاشعري :
قال الهروي في ذم الكلام : سمعت الحاكم عدنان بن عبدة
النميري يقول: سمعت أبا عمر البسطامي يقول [ كان
أبو الحسن الأشعري أولاً ينتحل الاعتزال، ثم رجع فتكلم عليهم، وإنما مذهبه التعطيل؛ إلا أنه رجع من
التصريح إلى التمويه ] .
وقال السجزي في رسالته إلى أهل زبيد
: حكى محمّد بن عبد الله المغربي المالكي، وكان فقيهاً صالحاً،
عن الشيخ أبي سعيد البرقي، وهو من شيوخ فقهاء المالكيين ببرقة، عن أستاذه خلف المعلم،
وكان من فقهاء المالكيين، قال [ أقام الأشعري
أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة فرجع عن الفروع، وثبت على الأصول ] .
وقال السجزي : اعلموا- أرشدنا الله وإياكم- أنه
لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نِحَلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن
كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم بل أخس حالاً
منهم في الباطن في أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا
تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات.
وقال ابن عبد الهادي في جمع الجيوش : وَقَدْ
بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كَشْفِ الْعَظَائِمِ، أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ
الْعُلَمَاءِ قَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْبِدْعَةِ وَمِنْ جِهَةِ
الدِّينِ ..
فحقيقة الأشعري هو ما قاله ابن عبدالهادي في جمع الجيوش: إن الأشعري رجع عن الاعتزال وأقام على أمر أشد منه وهو
التمويه على التعطيل .
وأين الأشعري لو ثبتت توبته
المزعومة من العلم والإمامة ؟ !!
قال ابن قدامة في المناظرة عن أبي الحسن الأشعري : من العجب أن امامهم الذي أنشأ هذه البدعة رجل لم يعرف
بدين ولاورع ولا شيء من علم الشريعة ألبته ولا ينسب إليه من العلم الا علم الكلام
المذموم
وهم يعترفون أنه أقام على الاعتزال أربعين عاما ثم أظهر
الرجوع عنه فلم يظهر منه بعد التوبة سوى هذه البدعة
فكيف تصور في عقولهم
أن الله لا يوفق لمعرفة الحق الا عدوه ؟!!
ولا يجعل الهدى الا مع من ليس (عنده من) علم الإسلام
نصيب ولا في الدين حظ ؟ !!
وقال ابن عبدالهادي : أَيْنَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ؟
أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ
أَيْنَ أَقْوَالُ الأَشْعَرِيِّ فِي الدِّينِ؟ أَيْنَ كَلامُهُ
فِي الطَّهَارَةِ، وَالصَّلاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ
وَالطَّلاقِ؟
هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّمَا كَلامُهُ
فِي عِلْمِ الْكَلامِ فَقَطْ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، كَيْفَ
يَحِلُّ لِمَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ أَنْ يُحَقِّقَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ كَلامٌ
فِي مَسْأَلَةٍ قَطُّ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ قَوْله ... ا.هــ المراد
وقد تُكلم فيه –أي الأشعري- من جهة نفاقه
فقد جاءت عنه روايات تدل على
زندقته ونفاقه
فمن ذلك ما جاء في ذم الكلام
للهروي حيث قال :
سمعت يحيى بن عمار يقول: سمعت زاهر بن أحمد -وكان للمسلمين
إماماً- يقول [ نظرت في
صير باب؛ فرأيت أبا الحسن الأشعري يبول في البالوعة، فدخلت عليه فحانت الصلاة فقام
يصلي وما كان استنجى ولا تمسح ولا توضأ، فذكرت الوضوء؛ فقال لست بمحدث (!) ] .
وقال : سمعت منصور بن إسماعيل الفقيه يقول: سمعت زاهراً يقول [ دورت في أخمص الأشعري بالنقش دائرةً وهو قائل؛ فرأيت السواد
بعد ست لم يغسله ]
وقال : سمعت محمد بن الفضل الطاقي يقول: سمعت زاهر ابن أحمد
يقول [ سألت الأشعري عن الله؛ فقال: هو الذي يتأله إليه، فكل من تألهت إليه؛ فهو
الله ] .
وقال : سمعت أحمد بن حمزة وأبا علي الحداد يقولون [ وجدنا أبا العباس أحمد بن محمد النهاوندي على الإنكار على
أهل الكلام وتكفير الأشعرية
] .
وقال : سمعت أحمد بن حمزة يقول [ لما اشتد الهجران بين النهاوندي وأبي الفوارس سألوا أبا عبد
الله الدينوري؛ فقال: لقيت ألف شيخ على ما عليه النهاوندي ] .
وقال : سمعت أبي يقول: سمعت أبا المظفر الترمذي -هو حبال
بن أحمد- إمام أهل ترمذ [ يشهد عليهم
بالزندقة ] .
وقال [ ورأيت
يحيى بن عمار ما لا أحصي من مرة على منبره يكفرهم ويلعنهم، ويشهد على أبي الحسن
الأشعري بالزندقة، وكذلك
رأيت عمر بن إبراهيم ومشائخنا ]
وقال : سمعت بلال بن أبي منصور المؤذن يقول: سمعت عمر بن
إبراهيم يقول [ لا تحل ذبائح
الأشعرية؛ لأنهم ليسوا بمسلمين،
ولا بأهل كتاب، ولا يثبتون في الأرض كتاب الله
]
وقال : سمعت إسماعيل بن أحمد البشوزقاني المتفقه يقول [ سمعت الجنيد بن محمد الخطيب يشهد على الأشعري بالزندقة ] .
وأختم بما قاله محمد بن هادي : من زعم أنه -أي الأشعري-
قد رجع رجوعًا كاملًا خالصًا صافيًا إلى مذهب السلف الصالح فقد أخطأ خطئًا بينًا، وأن هذا القول قول من لم
يقف على كلام أبي الحسن الأشعري في كتبه.
وقال : هذا
الرجل لم يعرف مذهب السلف إلا مجملًا، ورجوعه لم يكن إلى مذهب السلف، وإنما كان إلى
مذهب أبي عبد الله ابن كُلَّاب، مع بقاء ما عنده من ميله في أصوله في الجملة إلى الاعتزال والتجهم والإرجاء
والقدر.
وقال : القول بالتفصيل أنه في مراحل ثلاث قول ضعيف، وليسوا بأعلم بهذا الرجل
ولا بأتباعه من ابن تيمية، فالرجل يحكي كلامه بالحرف .. ا.هــ المراد
منقول