الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد... فقد كان السلف الكرام –رحمة الله عليهم- مع ما تقدم كانوا يكرهون طرق أبواب السلاطين
والدخول والخروج منهم فإن في ذلك فتنة عظيمة ما يكاد أن ينجو منها أحد "
ومِنْ أَعظمِ ما يُخشى عَلى من يَدخلُ عَلَى الملُوكِ الظلمة أَن يُصدِّقَهم
بِكَذِبهم، ويُعينَهُم عَلَى ظُلمهم ولو بالسكوتِ عن الإنكارِ عليهم، فإنَّ من
يرُيدُ بدُخولهِ عليهم الشَّرفَ والرّياسةَ -وهو حريصٌ عليهم- لَا يقدمُ عَلَى
الإنكارِ عليهم؛ بل رُبَّمَا حَسَّن لهم بعضَ أفعالهم القبيحة تقربًا إليهم
لِيحسُنَ موقعُهُ عندهُم، ويُساعدُوه عَلَى غرَضِهِ" نسأل الله
العافية. أخرج
الإمام أحمد في مسنده من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ، جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ
الصَّيْدَ، غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ، افْتَتَنَ] وقال بعض الأئمة: أنه
حديث معلول وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعاً: [مَنْ لَزِمَ السُّلْطَانَ افْتُتِنَ
وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنَ السُّلْطَانِ دُنُوًّا إِلاَّ ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ
بُعْدًا] وعن رجل من بني سلمى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إياكم وأبواب
السلطان فانه أصبح صعباً]. قال الهيثمي في الزوائد: " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ".
وفي مراسيل الحسن: [لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكنفه، ما لم يماري قراؤها
أمراءها] وأخرج البيهقي في الشعب عَنْ أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: [مَنْ أَتَى بَابَ
السُّلْطَانِ قَامَ وَقَعَدَ] وفيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: [اتقوا أبواب السلطان]. وفي التاريخ الكبير للبخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: [يدخل الرجل على
السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه شيء] وفي مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: [ألا! لا يمشين رجل منكم شبراً إلى ذي سلطان] وأخرج البيهقي عن أيوب السختياني قال: قال أبو قلابة: [أحفظ عنى ثلاث خصال: إياك
وأبواب السلطان، وإياك ومجالسة أصحاب الأهواء، والزم سوقك فإن الغنى من العافية] وفي الأثر: [أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان] وليس إسناده بذاك فإن فيه بكير بن
شهاب وهو منكر الحديث وقال بعض السلف: [إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنه لص] و " كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ
اللَّهُ- لَا يَأْتِي الْخُلَفَاءَ وَلَا الْوُلَاةَ وَالْأُمَرَاءَ وَيَمْتَنِعُ
مِنْ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمْ، وَيَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا
نَقَلَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَكَلَامُهُ فِيهِ مَشْهُورٌ.
وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَرَوِيِّ فَقَالَ: [رَجُلٌ وَسِخٌ] فَقُلْت مَا قَوْلُك إنَّهُ وَسِخٌ قَالَ:[مَنْ يَتْبَعُ
الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ فَهُوَ وَسِخٌ] وَكَانَ هَذَا رَأْيَ جَمَاعَةٍ مِنْ
السَّلَفِ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ مِنْهُمْ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ
وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ وَالثَّوْرِيُّ
وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَدَاوُد الطَّائِيُّ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي وَغَيْرُهُمْ. " والذي ذهب إليه " جمهور العلماء من السلف، وصلحاء الخلف إلى أن هذه الأحاديث
والآثار جارية على إطلاقها سواء دعوه إلى المجيء إليهم - أي السلاطين - أم لا،
وسواء دعوه لمصلحة دينية أم لغيرها. قال سفيان الثوري: [إن دعوك لتقرأ عليهم: قل هو الله أحد، فلا تأتهم] " منقول