آخر الأخبار
| ]




فائدة مختصرة
في مسألة موضع المشي من الجنائز

كَتَبَها
أَبُو بَكْرٍ بن مُحَمد الجَوْلَانيّ
 -عفا الله عنه-

راجعها أَبُو عَبْدِاللهِ
إبْرَاهِيمُ بنُ رَجَا الشّمّرِيُّ


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين
أمّا بعد..
فقد قسّمت هذه الفائدة المختصرة إلى عدّة فصول, قد ذكرت في:
الفصل الأول: مذاهب فقهاء الأمصار -رحمهم الله-.
الفصل الثاني: ذكر أدلة كل مذهب باختصار.
الفصل الثالث: خلاصة هذا البحث.
وأسأل الله -عز وجل- التوفيق والسداد.

فصل في ذكر مذاهب الفقهاء

1- ذهب فقهاء أهل المدينة السبعة, والمالكية, والشافعية, والحنابلة, إلى أن المشي أمام الجنازة أفضل وهو قول الجمهور وأكثر أهل العلم.
قال ابن المنذر –رحمه الله-:
" فَمِمَّنْ كَانَ يَرَى الْمَشْيَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ...وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٍ، وَالزُّهْرِيِّ، ومَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ..." وقد اختاره -رحمه الله-
[ الأوسط (3036) ].
قال ابن عبد البر:
"....كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَيَأْمُرُونَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَأَكْثَرِ الْحِجَازِيِّينَ...".
[ التمهيد (95-12) ]
قَالَ مَالِكٌ –رحمه الله-:
" الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ هُوَ السُّنَّةُ ".
[ المدونة (253) ]
قَالَ الشَّافِعِيُّ –رحمه الله-:
" سَمِعْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ خَلْفَهَا، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا عِنْدَنَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ ".
[ الأم للشافعي (310) ]
قال أحمد –رحمه الله-:
" المشي أمام الجنازة أعجب إلي ويكون قريباً منها ".
[ مسائل عبدالله ].
وقال عبدالله بن أحمد –رحمهما الله-:
" رأيت أبي إذا كان في جنازة يتقدم يمشي أمامها ".
[ مسائل عبدالله ]
وأما ما جاء في رواية أبي داود وأنه قال:
" وَمَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ فِي جِنَازَةٍ قَطٌّ إِلَّا وَرَاءَهَا " فهذه محمولة على أنه قد خفي عن أبي داود مشي أحمد -رحمه الله- أمام الجنازة ,كما في رواية عبد الله وهو ابنه وهو أعلم بأبيه من غيره في هذا الأمر, وقد تُحمل على أمور أخرى.
2- بينما ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه -رحمهم الله- إلى أن المشي خلفها أفضل.
قال الترمذيُّ –رحمه الله تعالى-:
"وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا، رأوا أن المشي خلفها أفضل، وبه يقول سفيان الثوري، وإسحاق".
[جامع الترمذي (1011) ]
وقد سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجَنَازَةِ؟ فَقَالَ:
" هُوَ سَعَةٌ، وَأَفْضَلُ عِنْدَنَا خَلْفَهَا ".
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: " يَتَأَخَّرُهَا أَحَبُّ إِلَيْنَا ".
[ الأوسط (3043) ]
3- وذهب مالك بن أنس -رحمه الله- في رواية نقلها ابن المنذر عنه, وأحمد بن حنبل, وإسحاق ابن راهويه -رحمه الله- في رواية, إلى أن المشي أمامها أو خلفها سيّان, والأمر في ذلك واسع.
قال ابن المنذر –رحمه الله-:
" وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا أَنْتُمْ مُتَّبِعُونَ تَكُونُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا، وَعَنْ شِمَالِهَا هَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي مَوْضِعٍ آخَرُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ أَمَامَ الْجَنَازَةِ وَخَلْفَهَا قَرِيبًا ".
[ الأوسط (3045) ].
والمشهور عن مالك –رحمه الله- استحباب المشي أمام الجنازة.
فهذه باختصار مذاهب أهل العلم في هذه المسألة.

فصل في ذكر أدلة كل مذهب
[ ذكر ما استدل به الجمهور من الأحاديث والآثار ]

1- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال:
"  رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجَنَازَةٍ ".
[ مرسل, أخرجه أحمد (4539) وغيره من أصحاب السنن, قال الترمذي -رحمه الله-" وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح " وهو من مراسيل الزهري ومراسيل الزهري من أوهى المراسيل كما قال يحيى بن سعيد القطان وابن معين -رحمهما الله- قالوا عنها " ليست بشيء ", بل إنه قد ثبت عن الزهري -رحمه الله- بإسناد أقوى من هذا أنه قال" الْمَشْيُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ مِنْ خَطَأِ السُّنَّةِ ", قال الزركشي –صاحب شرح مختصر الخرقي- " وقد احتج به أحمد في رواية أبي طالب ومهنا, ولكن قال في رواية الأثرم، وإبراهيم بن الحارث: ما أراه محفوظا، عدة أرسلوه، وما أراه إلا من كلام الزهري. قيل له: فتذهب إلى المشي أمام الجنازة؟ فقال: نعم... وكذا قال الترمذي: إن أهل الحديث يرون أن المرسل أصح وهذا لا يخرج الحديث عن الحجية على قاعدة أحمد في المرسل " ].

2- عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
" مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ ".
" فقالوا أن الشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْفُوعَ لَهُ ". ذكره صاحب المغني, والزركشي صاحب شرح مختصر الخرقي, وغيرهم.
[ رواه مسلم في صحيحه (58) ]

3- عن أبي صالح -رحمه الله- قال:
" كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ حَتَّى إِذَا تَبَاعَدُوا عَنْهَا قَامُوا يَنْتَظِرُونَهَا ".
[ أثر حسن, أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11228) ]

4- واستدلوا أيضاً بما ثبت عن بعض الصحابة والتابعين في أنهم مشوا أمام الجنازة, قال ابن المنذر -رحمه الله- " ... فَمِمَّنْ كَانَ يَرَى الْمَشْيَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَأَبُو قَتَادَةَ".
[ الأوسط  (3036) ].

5- عن ابن شهاب الزهري -رحمه الله- أنه قال:
" الْمَشْيُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ مِنْ خَطَأِ السُّنَّةِ ".
[ أخرجه مالك في الموطأ (766) ].

6- قال ابن المنذر –رحمه الله-:  أن الإمام أحمد –رحمه الله-.
" احتج بِتَقْدِيمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ النَّاسَ أَمَامَ جَنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ".
[ الأوسط (3036) ].

7- عن زيد بن قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ  قَالَ:
" أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَرَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ ".
[ سنن البيهقي (6865) ].

هذا أقوى ما استدل به أصحاب هذا القول, والله اعلم.

[ ذكر ما استدل به من قال بسنية المشي خلف الجنازة من الأحاديث والآثار ]

1- عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال:
" أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبع ونهانا عن سبع أمرنا باتباع الجنائز...".
[ أخرجه البخاري في صحيحه  (1239) ].

2- عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
 " ...فمن تبع فيكم اليوم جنازة... ".
[ أخرجه مسلم في صحيحه (87) ]
فقالوا أن" لَفْظُ الِاتِّبَاعِ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى التَّالِي وَلَا يُسَمَّى الْمُتَقَدِّمُ تَابِعًا بَلْ هُوَ مَتْبُوعٌ ".

3- قال طاووس -رحمه الله-:
" مَا مَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ حَتَّى مَاتَ إِلَّا خَلْفَ الْجِنَازَةِ ".
[ أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (6262) ]

4- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- فِي جِنَازَةٍ قَالَ: وَعَلِيٌّ آخِذٌ بِيَدِي وَنَحْنُ خَلْفَهَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا، فَقَالَ:
" إِنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الَّذِي يَمْشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ، وَإِنَّهُمَا لَيَعْلَمَانِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَعْلَمُ وَلَكِنَّهُمَا لَا يُحِبَّانِ أَنْ يَشُقَّا عَلَى النَّاسِ ".
[ ضعيف, عبد الرزاق في مصنفه (6263, 6267), ابن أبي شيبة في مصنفه (11239), وغيرهم, وقد اختلف في رفعه ووقفه, وقد ضعفه أحمد ].

5- عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
" سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ المَشْيِ خَلْفَ الجَنَازَةِ؟ قَالَ: " مَا دُونَ الخَبَبِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا عَجَّلْتُمُوهُ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَلَا يُبَعَّدُ إِلَّا أَهْلُ النَّارِ، الجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَا تَتْبَعُ، وَلَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا ".
[ حديث ضعيف, ضعفه البخاري وابن عدي والنسائي, أخرجه أحمد في المسند (1-394), وأخرجه الترمذي في سننه (1011) وقال" هذا حديث لا يعرف من حديث عبد الله بن مسعود إلا من هذا الوجه قال سمعت محمد بن إسمعيل يضعف حديث أبي ماجد لهذا وقال محمد قال الحميدي قال ابن عيينة قيل ليحيى من أبو ماجد هذا قال طائر..", وقال الدارقطني " أبو ماجد مجهولٌ", وفيه يحيى الجابر قال عنه يحيى بن معين: " ليس بشيءٍ ", وقال ابن حِبَّان: " يروي المناكير لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ "].

6- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
" إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَمْشِي خَلْفَهَا ".
[ أثر معلول, أخرجه عبد الرزاق (6266), العلة الأولى: عنعن فيه ابن جريج عن رجل مبهم وقد قال الدارقطني -رحمه الله- عن ابن جريج: " تجنب تدليسه فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح, العلة الثانية: مخالفته لأثر ابن عمر -رضي الله عنهما- والذي فيه ذكر أن الملائكة تمشي أمام الجنازة, وسيأتي ذكره-إن شاء الله- ].

7- عَنِ عبد الْغَفَّارِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-:
" هَهُنَا امْشِ يَعْنِي وَرَاءَ الْجَنَازَةِ ".
[ فيه نظر, أخرجه ابن المنذر في الأوسط (3045), وهو مخالف للآثار المستفيضة عنه –رضي الله عنه- والتي سيأتي ذكرها -إن شاء الله- وفي السند رجل اسمه عطاء بن السائب وهو ثقة, قد اختلط بأخره, مع العلم بأن أبازرعة الرازي قد ذكره مع أسامي الضعفاء, وقد قال أحمد فيه " ثقة رجل صالح ، ومرة : من سمع منه قديما فسماعه صحيح ، ومن سمع منه حديثا لم يكن شيئا ، وشعبة وسفيان ممن سمع منه قديما ، وجرير وخالد بن عبد الله وإسماعيل بن علية ممن سمع منه حديثا ، ومرة : لم يسمع من عبيدة شيئا ", وقال الدارقطني فيه " اختلط وقال مرة : تغير ولا يحتج بحديثه إلا القديم " والذي روى عن عطاء رجل اسمه عبدالسلام بن حرب ليس شعبة ولا سفيان, وهو ثقة وقد غمزه بعضهم, وقد روى عطاء عن رجل اسمه عبد الغفار لم أجده في شيوخه. ].

8- قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه-:
" مِنْ تَمَامِ أَجْرِ الْجِنَازَةِ أَنْ يُشَيِّعَهَا مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا ".
[ فيه نظر, أخرجه ابن أبي شيبة, (11236), ( 11283), وفي بعض الألفاظ لم يُذكر المشي خلفها, والذي روى عن أبي الدرداء رجل اسمه عامر بن جشيب ثقة ولكن قد قال الدارقطني أنه لم يسمع من أبي الدرداء, وفي السند قيل أن غير عامر هذا من أهل الشام من نقل عن أبي الدرداء هذا القول ولكن لم يُسمَّوا ! إنما قيل ( وغيره من أهل الشام ) ].

9- عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ:
" لَأَنْ أَخْرُجَ مَعَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ أَمَامَهَا ".
[أخرجه ابن أبي شيبة (11242) ].

10- عَنْ نَافِعٍ قَالَ:خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ، وَأَنَا مَعَهُ، فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ السُّنَّةُ فِي الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ، أَمَامَهَا، أَوْ خَلْفَهَا؟ فَقَالَ:
" وَيْحَك يَا نَافِعُ، أَمَا تَرَانِي أَمْشِي خَلْفَهَا؟! ".
[ ضعيف, رواه الطبراني فِي " مسند الشاميين " (338-2), فيه أبو بكر بن أبي مريم وهو متروك, قال عنه أحمد " ضعيف ، ومرة : ليس بشيء", وقال أبو زرعة " ضعيف ، منكر الحديث", وقال الدارقطني " متروك ، ومرة : ضعيف " ].

11- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ أُمٍّ لَهُ، نَصْرَانِيَّةٍ مَاتَتْ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ:
" نَأْمُرُ بِأَمْرِكَ وَأَنْتَ تَعْبُدُ ثُمَّ تَسِيرُ أَمَامَهَا، فَإِنَّ الَّذِي يَسِيرُ أَمَامَ الْجَنَازَةِ لَيْسَ مَعَهَا ".
[ أخرجه ابن المنذر في الأوسط (342-5), وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- آثار أُخر في المشي أمام الجنازة ]

12- عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: مَاتَتْ أُمُّ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ فَسَأَلَ ابْنَ مُغَفَّلٍ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَحْضُرَهَا، وَلَا أَتْبَعُهَا قَالَ:
" ارْكَبْ دَابَّةً وَسِرْ أَمَامَهَا غَلْوَةً، فَإِنَّكَ إِذَا سِرْتَ أَمَامَهَا فَلَسْتَ مَعَهَا ".
[ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (32-3), وجاء نحوه عن عمر –رضي الله عنه- ].

13- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ لَنَا أَبُو كُرَيْبٍ: أَوْ أَبُو حُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ قَالَ:
" إِذَا أَنْتَ حَمَلْتنِي عَلَى السَّرِيرِ، فَامْشِ بِي مَشْيًا بَيْنَ الْمَشْيَيْنِ، وَكُنْ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلَائِكَةِ وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ ".
[ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (480-2) ].

هذا أقوى ما استدل به أصحاب هذا القول, والله اعلم.

[  ذكر ما استدل به من قال بأن الأمر سيّانٌ من الأحاديث والآثار ]

1- عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
" الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا، وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ ".
 [ أخرجه أحمد في المسند (18162), والترمذي في جامعه وصححه (340-3 ), وابن أبي شيبة في مصنفه (11253), ورواه عبد الرزاق موقوفاً على المغيرة (6602), ورجّح الدارقطنى فى العلل الموقوف, وفي الحديث رجل اسمه سعيد بن عبيدالله قال عنه الدارقطني ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها وغيره يوقفها, وصححه أحمد كما في رواية أحمد بن أبي عبدة ].

2- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال:
" أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- , وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَخَلْفَهَا ".
[ أخرجه الطحاوي ولفظة "وخلفها" هي لفظة شاذة منكرة كما قال ابن عبد البر في -التمهيد- " وأمَّا قوله : وخلفها فلا يصح في هذا الحديث وهي لفظة منكرة فيه, لا يقولها أحد من رواته" ].

3- سئل أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ قَالَ:
" إِنَّمَا أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ لَهَا , فَامْشُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا , وَعَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا ".
[ أثر صحيح أخرجه عبد الرزاق (6261), وابن أبي شيبة (11231), في مصنفاتهم ورفع هذا الأثر لايصح ولا يوجد مرفوعاً إلا عند الطحاوي ! وقد رواه عبدالرزاق وابن أبي شيبة موقوفاً على أنس -رضي الله عنه- ].

4- عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ –رحمه الله- قَالَ:
" خَلْفَهَا قَرِيبٌ، وَأَمَامَهَا قَرِيبٌ، وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيبٌ، وَعَنْ يَمِينِهَا قَرِيبٌ ".
[ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11233) ].

هذا أقوى ما استدل به أصحاب هذا القول, والله اعلم.

فصل في ذكر خلاصةهذاالبحث

فالخلاصة أن هذه المسألة النزاع فيها موجود في الصدر الأول, وبين الفقهاء, وأن الأمر فيها واسع, والأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور وذلك لأمور منها:
1- مشي أكثر الصحابة -رضي الله عنهم- أمام الجنازة بما فيهم بعض الخلفاء, وقد سبق النقل عن أبي صالح قوله " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ...", وقول زيد بن قيس الأشعري " أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَرَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ ", وقد صدق الشافعي -رحمه الله- لما قال " وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الْعَامَّةَ تَقْتَدِي بِهِمْ، وَتَفْعَلُ فِعْلَهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ تَعْلِيمِهِ الْعَامَّةَ نَعْلَمُهُمْ يَدَّعُونَ مَوْضِعَ الْفَضْلِ فِي اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ نَعْرِفُ مَوْضِعَ الْفَضْلِ إلَّا بِفِعْلِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا شَيْئًا وَتَتَابَعُوا عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ الْفَضْلِ فِيهِ... ".
[ الأم (310) ].
2- تقديم عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- الناس في جنازة زينب بنت جحش –رضي الله عنها- وقد سبق ذكر النقل الذي نقله ابن المنذر عن أحمد –رحمهما الله- في احتجاجه بهذا الأثر, وقد أجاب الشافعي –رحمه الله- عن قول من قال بأن عمر إنما قدم الناس لتضايق الطريق فقال –رحمه الله- " وَلَمْ يَمْشُوا فِي مَشْيِهِمْ لِتَضَايُقِ الطَّرِيقِ إنَّمَا كَانَتْ الْمَدِينَةُ أَوْ عَامَّتُهَا فَضَاءً حَتَّى عُمِّرَتْ بَعْدُ فَأَيْنَ تَضَايُقُ الطَّرِيقِ فِيهَا !... ".
[ الأم (310) ].
3- قول النبي –صلى الله عليه وسلم- " مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ ", والشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْفُوعَ لَهُ, وقد أجاب الشافعي –رحمه الله- عن قول من قال أن هذا الجنازة متبوعة فلم نر من مشى أمامها إلا لاتباعها فإذا مشى لحاجته فليس بتابع للجنازة ! وقول من قال بأن التفكر في أمرها إذا كان خلفها أكثر !
فقال –رحمه الله- "...وَلَا يُشَكُّ عِنْدَ أَحَدٍ أَنَّ مَنْ كَانَ أَمَامَهَا هُوَ مَعَهَا، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ فَرَأَى هَذَا كَلَامًا ضَعِيفًا لِأَنَّ الْجِنَازَةَ إنَّمَا هِيَ تُنْقَلُ لَا تَتْبَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يَتْبَعُ بِهَا، وَيَنْقُلُهَا الرِّجَالُ، وَلَا تَكُونُ هِيَ تَابِعَةً، وَلَا زَائِلَةً إلَّا أَنْ يُزَالَ بِهَا لَيْسَ لِلْجِنَازَةِ عَمَلٌ إنَّمَا الْعَمَلُ لِمَنْ تَبِعَهَا وَلِمَنْ مَعَهَا، وَلَوْ شَاءَ مُحْتَجٌّ أَنْ يَقُولَ: أَفْضَلُ مَا فِي الْجِنَازَةِ حَمْلُهَا، وَالْحَامِلُ إنَّمَا يَكُونُ أَمَامَهَا ثُمَّ يَحْمِلُهَا لَكَانَ مَذْهَبًا، وَالْفِكْرُ لِلْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَخَلِّفِ سَوَاءٌ، وَلَعَمْرِي لِمَنْ يَمْشِي مِنْ أَمَامِهَا الْفِكْرُ فِيهَا، وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ يَتْبَعُهَا إنَّ هَذِهِ لَمِنْ الْغَفْلَةِ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ هَكَذَا أَنْ يَمْشِيَ، وَهُوَ خَلْفَهَا...".
 [ الأم (310) ].
وأما أقوى ما استدل به من قال بسنية المشي خلف الجنازة, أو أن الأمر سيان, فقد يُجاب بما يلي:
1- أما أثر علي –رضي الله عنه- والذي له حكم الرفع فقد سئل عنه أحمد -رحمه الله-
قال أبو بكر الأثرم:
" ذَكَرْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَشَى خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَمَامَهَا, وَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيَعْلَمَانِ أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ..." فَتَكَلَّمَ فِي إِسْنَادِهِ, وَقَالَ: ذَلِكَ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ خِرَاشٍ قُلْتُ لَهُ: لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ,  فَقَالَ: نَعَمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ".
[ التمهيد (12- 100) ].
2- وأما حديث أبي هريرة والبراء–رضي الله عنهما- والذي فيه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباع الجنازة, فأقول إن من خير ما يُفسّر الحديث فعل أصحاب صاحب الحديث فهم شهدوا مع صاحب الحديث –صلى الله عليه وسلم- المشاهد وفهموا منه ما لم يفهمه غيرهم, فعليهم المعوَّل في العمل بما يُشكل علينا من فهم بعض ما يرد من قوله –صلى الله عليه وسلم- وقد ذهب أكثر أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى المشي أمامها, وقد قال صاحب المغني "...وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ، فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُمَا، وَتَتَقَدَّمُهُمَا فِي الْوُجُودِ " [ المغني (2- 354) ].
 ثم إن راوي الحديث الذي احتجوا به, قد استفاضت عنه الآثار في المشي أمام الجنازة, بل والأمر بذلك !
عن أبي حاتم، قال:
" رأيت أبا هريرة والحسن بن علي يمشيان أمام الجنازة ".
[ مصنف ابن أبي شيبة (11226) ].
عن صالح مولى التوأمة، قال:
" رأيت أبا هريرة وأبا قتادة وابن عمر وأبا أسيد يمشون أمام الجنازة ".
[ مصنف ابن أبي شيبة (11227) ].
عن أبي حازم، قال:
" مشيت مع الحسين بن علي، وأبي هريرة، وابن الزبير أمام الجنازة ".
[ مصنف ابن أبي شيبة (11232) ].
عن العقار بن المغيرة، قال:
" كنت أمشي خلف الجنازة فجاء أبو هريرة فوضع فقاري بين إصبعيه، ثم دفعني حتى تقدمت أمام الجنازة ".
[ مصنف ابن أبي شيبة (11235) ].
وقد سبق الكلام عن الرواية التي رويت عنه –رضي الله عنه- في أنه مشى خلف الجنازة.

3- وأما مرسل طاوس –رحمه الله- والذي فيه قوله " مَا مَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ حَتَّى مَاتَ إِلَّا خَلْفَ الْجِنَازَةِ ", فأقول إذا جاء الأثر عن الصحابي فإنه مقدم على المرسل, وهذه هي أصول أهل العلم في الاستدلال كأحمد بن حنبل وغيره.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في مسائله " قلت لأبي عبد الله: حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرسل برجال ثبت أحب إليك أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت ؟ قال أبو عبد الله -رحمه الله- عن الصحابة أعجب إلي ".
4- وأمَّا احتجاج من قال بأن الأمر سيان بحديث المغيرة: " الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا، وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ ".
فغايته الجواز لا المسنون، على أنَّه قد روي بلفظٍ آخر يقوِّي هذا القول:
عن المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرَّاكب خلف الجنازة، والماشي أمامها قريبًا، عن يمينها، أو عن يسارها ". رواه الإمام أحمد وأصحاب " السُّنن .
[ مستفاد من التنقيح (647 , 646-2 ) ]

والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد




 
لتعديل على القالب اضغط على الصورة وقم بتواصل معانا واى استفسار ضع تعليق فى تدوينة اتصل بنا