الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ثم أما بعد...
أكْثر السّلف بل كلهم على أَن الرّوح الْمَسْئُول عَنْهَا فِي الْآيَة لَيست أَرْوَاح بنى آدم
أخرج الطبري في تفسيره بسند حسن عن
ابن عباس، قوله {وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ} قال [ الروح: مَلك ] .
وأخرج بسنده عن أبي مروان يزيد بن سمرة
، عمن حدثه عن عليّ بن أبي طالب، أنه قال في قوله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قال [ هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه منها سبعون
ألف لسان، لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح الله عزّ وجلّ بتلك اللغات كلها، يخلق
الله من كلّ تسبيحة مَلكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة ] .
وبسنده أيضاً عن ابن مسعود-رضي
الله عنه- قال [ الرُّوح:
ملك في السماء الرابعة، هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة يسبح الله كلّ
يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله من كلّ تسبيحة مَلَكا من الملائكة، يجيء يوم القيامة
صفًّا وحده ] .
وبسنده الجيد عن قتادة {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قال [ هو جبرائيل ].
قال ابن القيم في الروح : وَهَذَا بِنَاء على أَن المُرَاد بِالروحِ فِي الْآيَة روح
الْإِنْسَان وَفِي ذَلِك خلاف بَين السّلف وَالْخلف وَأكْثر السّلف بل كلهم على أَن الرّوح الْمَسْئُول عَنْهَا فِي الْآيَة لَيست أَرْوَاح
بنى آدم بل هُوَ الرّوح الَّذِي أخبر الله عَنهُ فِي كِتَابه أَنه يقوم يَوْم الْقِيَامَة
مَعَ الْمَلَائِكَة وَهُوَ ملك عَظِيم
وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح من حَدِيث الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم
عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ بَينا أَنا أمشى مَعَ رَسُول الله فِي حرَّة الْمَدِينَة
وَهُوَ متكىء على عسيب فمررنا على نفر من الْيَهُود فَقَالَ بَعضهم لبَعض سلوه عَن
الرّوح
وَقَالَ بَعضهم لَا تسألوه عَسى أَن يخبر فِيهِ بِشَيْء تكرهونه
وَقَالَ بَعضهم نَسْأَلهُ فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا أَبَا
الْقَاسِم مَا الرّوح فَسكت عَنهُ رَسُول الله فَعلمت أَنه يوحي إِلَيْهِ فَقُمْت فَلَمَّا
تجلى عَنهُ قَالَ {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ
من الْعلم إِلَّا قَلِيلا}
وَمَعْلُوم أَنهم إِنَّمَا سَأَلُوهُ عَن أَمر لَا يعرف إِلَّا
بِالْوَحْي وَذَلِكَ هُوَ الرّوح الَّذِي عِنْد الله لَا يعلمهَا النَّاس
وَأما أَرْوَاح بنى آدم فَلَيْسَتْ من الْغَيْب وَقد تكلم فِيهَا طوائف من النَّاس من أهل الْملَل وَغَيرهم
فَلم يكن الْجَواب عَنْهَا من أَعْلَام النُّبُوَّة ...ا.هــ المراد